advertisement

من هو الحاكم بأمر الله ،بحث شامل عنه

advertisement

لم يجد أحدًا من الشخصيات نفس القدر من الغموض الذي أحاط به شخصية الحاكم بأمر الله، وحتى الآن لا يزال الكثير من أسرار هذا الحاكم مجهولًا. وبغض النظر عن اتفاق الباحثين أو اختلافهم حول هوية الحاكم بأمر الله، فإننا أمام شخصية غريبة وغامضة. وسواء اتهم بأنه منحرف في تفكيره أو مضطرب عقليًا، فإن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأننا أمام شخصية تاريخية فريدة، حجزت مكانًا هامًا في صفحات التاريخ وأسست لنفسها سمعة لا تضاهى.

advertisement

مقدمة البحث

تاريخ مصر يمتد لقرون عديدة منذ الفتح الإسلامي، وخلال هذه الفترة تبوأت مصر مكانة مرموقة كقلب للدولة الخلافية. توالت الخلافات الحاكمة في مصر، بدءًا من الخلافة الأموية، ومرورًا بالخلافة العباسية، ولكن مصر دائمًا ما تمتاز بموقع استراتيجي وأهمية عمرانية تجعلها محط أنظار الزعماء السائدون الذين يرون فيها ملجأ قويًا للحركات الاستقلالية.تأسست العاصمة الجديدة لمصر القاهرة، بسرعة بعد الفتح الإسلامي، وتم بناء قصورها الرائعة ومسجدها الجامع الأزهر، لتصبح مقرًا ملكيًا لسلالة الفاطميين ومقرًا للخلافة الفاطمية. قاد مبعوث المعز وقائده جوهر الصقلي حكم الفاطميين في مصر، وشهدت معارك هائلة بين الجيوش الفاطمية والقرامطة، والتي انتهت بانتصار الفاطميين واندحار القرامطة نحو الشام.

بعد أن استقرت الحكومة الفاطمية في مصر، قام المعز بجلب أهله وثرواته من أفريقيا إلى مصر. ومن بين أهل المعز كان هناك شخصية فريدة من نوعها، وهو الحاكم بأمر الله، الذي كان حفيدًا للمعز المدين الله الفاطمي وابن العزيز بالله. تولى الحكم وهو صغير السن، ونجح في بعض الأحيان في قيادة البلاد نحو الطريق الصحيح، ولكن في كثير من الأحيان صدم الناس بتصرفاته التي تؤدي إلى الهلاك.شخصية الحاكم بأمر الله تعتبر واحدة من أكثر الشخصيات الغامضة في التاريخ، حيث تمت دراستها بشكل واسع من قبل المستشرقين والمؤرخين الشرقيين. ومع ذلك، لا يزال الحاكم بأمر الله يحتفظ بالكثير من الأسرار والأخبار التي لم تكشف بعد.

advertisement

من هو الحاكم بأمرالله؟

الحاكم بأمر الله هو أبو علي المنصور، وُلد في شهر ربيع الأول عام 375 هجرية. تسلم الخلافة من والده في عام 383 هجرية، وتم بيعته كخليفة في نفس اليوم الذي توفي فيه والده، وذلك في رمضان عام 386 هجرية. حكم لمدة أحد عشر عامًا ونصف العام، وكان وصاياه يتولاها مربيه وأستاذه برجوان الخادم.وقسم المؤرخون عصر حكم الحاكم بأمر الله إلى أربعة أقسام:

  • القسم الأول يمتد من عام 386 إلى عام 390 هجرية، وفي هذه الفترة كان للحاكم قليل من السلطة، حيث كانت كل السلطة في يد ابن عمار ومن ثم في يد برجوان.
  • القسم الثاني يمتد من عام 390 إلى عام 395 هجرية، وفي هذه الفترة اكتسب الحاكم سلطة كبيرة وأظهر تعصبًا شديدًا للمذهب الفاطمي، واضطهد أهل الذمة والمسلمين غير الشيعة.
  • القسم الثالث يمتد من عام 396 إلى عام 401 هجرية، وفي هذه الفترة انتقل الحاكم من سياسة التعصب إلى تحديد حدود مصر من الجهة الغربية، وتعرضت مصر لغزوة من قبل أبو ركوة الذي ادعى النسب للأمويين في الأندلس.واجه الحاكم صعوبات كبيرة في القضاء وتسبب في تدمير أحد أبواب القاهرة. والعامل الثاني هو حملة تطهير قادها محمو من جلاء إنغناض التبل لمدة ثلاث سنوات بين عامي 398 – 401 هجرية.
  • القسم الرابع يمتد من عهد الحاكم بأمر الله من عام 401 هجرية حتى وفاته في عام 411 هجرية. وفي هذه الفترة، تميزت سياسته بالعنف مع رعاياه بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم، وكانت متقلبة ومضطربة.

سياسة الحاكم التي اتبعها طوال فترة حكمه لمصر أثارت سخط المصريين بشكل عام، وساهمت في إرساء الأمن والحفاظ على الأخلاق العامة، وأنهت الفوضى التي كانت تسود في بداية فترة حكمه. وخلال فترة حكمه، ظهرت طائفة الدروز التي تدعو إلى الاعتقاد بألوهيته، وهذا أدى إلى صراع في عام 411 هجرية.قبل الخوض في شخصية الحاكم بأمر الله وحياته وسياسته وأعماله، يجب أن نتطرق أولاً إلى أحوال مصر قبل قدوم الحاكم بأمر الله وتوليه الحكم.

أحوال مصر قبل قدوم الحاكم بأمرالله

قبل قدوم الحاكم بأمر الله، كانت مصر تعاني من ظروف صعبة. ومن الجوانب المهمة لحياة المعز لدين الله، الحاكم السابق، يمكننا أن نلاحظ أنه كان شخصًا مثقفًا يجيد العديد من اللغات، بما في ذلك اللغة التليانية التي تعلمها في صباه على جزيرة مالطا، واللغة الصقلية التي كانت منتشرة في تلك الجزيرة. وكان يعرف أيضًا اللغة السودانية. كان المعز شغوفًا بالعلوم وملمًا بالآداب، وكان يتمتع بمهارة في إدارة الأمور وتنظيمها، تمامًا كما كان عليه آباؤه قبله.

خلال فترة حكمه، حظي المعز بتقدير قبائل البربر، ولا سيما قبيلتي بني كملان وبني مليلة من قبائل الهوارة، ولم يكن يرغب في أن يكون مجرد وصي على الخلفاء الفاطميين كما كان سابقوه. يعود هذا النجاح في توسيع نفوذه في جميع أنحاء بلاد المغرب إلى وزيره القوي جوهر الصقلي، الذي بعثه على رأس جيش ضخم لفتح المناطق المتبقية في بلاد المغرب. ووصل إلى ساحل المحيط الأطلسي وأرسل هدية من أسماك المحيط إلى مولاه المعز لإعلامه بتوسع نفوذه حتى غرب بلاد المغرب.

بعد أن استولى على بلاد المغرب، فكر المعز في فتح مصر. لم يكن ذلك مستغربًا، حيث حاول الفاطميون الفوز بمصر من أجل ثرواتها واستقرارها، وأهمية موقعها الجغرافية من الناحيتين السياسية والعسكرية، وكذلك قربها من بلاد الشام والسمطين والحجاز، التي كانت جزءًا من مصر منذ زمن طويل. بفتح مصر، سيسهل على الفاطميين الاستيلاء على المراكز الإسلامية القديمة، مثل المدينة المنورة ودمشق وبغداد، عاصمة الدولة العباسية في تلك الفترة.

advertisement

advertisement

مولد الحاكم بأمر الله ونشأته

ولد الحاكم بأمر الله في القصر الفاطمي بالقاهرة المعزية في الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة 375 هجرية الموافق 14 أغسطس سنة 986 ميلادية. كانت أمه جارية رومية نصرانية من طائفة الملكية. حدث شقاق في الكنيسة القبطية في عام 451 ميلادية بسبب الجدل اللاهوتي الذي حدث في مجمع خلقيدونية الكنسي، ورفض الأقباط الخضوع لقرارات هذا المؤتمر. اعتبرهم الإمبراطور كفارًا وعين بطريركًا للملكية في القدس وأخاه أريسطيس في نفس العام. ولهذه المصاهرة تأثيرها في سياسة العزيز نحو النصارى وتعزيز نفوذهم.

أما الحاكم بأمر الله، فولدته جارية نصرانية تدعى أرميس “أريستس”، التي عينها العزيز بطريركًا على بيت المقدس وأخاها أرسانيوس مطرانًا على القاهرة ومصر. لذلك، كان لهما تأثير كبير في سياسة العزيز وتوجيهه نحو النصارى. ولد الحاكم بأمر الله بعد ولادة أخته بستة عشر عامًا، وتوفي طفلاً في سن مبكرة.

ويشير المؤرخون إلى أن الحاكم بأمر الله حكم البلاد وهو في الثامنة من عمره. وتذكر أن العزيز بالله منح ولاية العهد لابنه الحاكم عندما كان طفلاً في الثامنة من عمره، في شهر شعبان عام 383م. وبويع بالخلافة في بلبيس يوم وفاة والده.

advertisement

موكب فخم للحاكم بأمر الله حينما أستلم الحكم

في يوم الأربعاء، الموافق 29 رمضان عام 383 هجرية، توجه الحاكم إلى عاصمة المملكة في موكب فخم يتوشح بريق الخلافة ويخيم عليه عظمة الموت. كان أمامه جثمان والده المُرمَّى في نعش بارز من بين الحشود، وكان يُحمَل المظلة التي تظلله ريدان الصقلي، وبين يديه رايات ورموز السلطة. كان يرتدي درعًا صامتًا وعمامة تتوشح بالجوهر، وكان يحمل السيف وبيده الرمح. ودخل القاهرة عند غروب الشمس وسط هذا الموكب الفاخر المهيب. فور وصوله، بدأت التجهيزات لجنازة والده، وتكفل قاضي القضاة محمد بن النعمان بغسله ودفنه بجوار أبيه المعز في حجرة القصر.

في اليوم التالي للموكب الفخم، توجه أعضاء الدولة إلى القصر، حيث تم تجهيز قاعة الايوان الكبير لاستقبال الخليفة الصبي. وتم تجهيز سرير من الذهب له، محشو بمرتبة ذهبية. خرج الحاكم من القصر، راكبًا السرير ومحمولًا على معممته الجوهرية، ووقف الناس في صحن الايوان، حيث قبلوا الأرض ومشوا أمامه حتى وصل إلى عرشه. وقدم الجميع التحية والسلامات بالإمامة وباللقب الذي تم اختياره له. وتم نشر الخبر في القاهرة والبلاد أن الأمن مستقر، ولا يوجد تهديد على النفس والمال.

مسجد الحاكم بأمر الله بمصر

هذا المسجد هو رابع أقدم المساجد الجامعة الباقية بمصر، وثاني أكبر جوامع القاهرة إتساعًا بعد جامع أحمد ابن طولون. أمر بإنشائه الخليفة العزيز بالله الفاطمي في سنة 380هـ /990م وتوفي قبل إتمامه فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله 403هـ/ 1013م. يقع الجامع حاليًّا بنهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية بجوار باب الفتوح.المسجد مستطيل الشكل، ويتكون من صحن أوسط مكشوف تحيطه أربع أروقة ويعلو واجهته مئذنتين، وقد تعرض الجامع للعديد من عمليات الترميم على مر السنين. يمثل المدخل الرئيسي البارز بالواجهة الغربية أقدم أمثلة المداخل البارزة بمصر حيث أخذ الفاطميون فكرته من مسجد المهدية في تونس. وقام جامع الحاكم بنفس الدور الذي كان يقوم به جامع الأزهر في ذلك الوقت من حيث كونه مركزًا لتدريس المذهب الشيعي.

advertisement