advertisement

قصة بناء مدينة الاسكندرية

advertisement

مدينة الإسكندرية هي واحدة من أشهر المدن في التاريخ، فهي تحمل اسم الملك الإغريقي العظيم الذي أسسها على شواطئ مصر قبل أكثر من ألفي عام.

advertisement

مصر قبل وصول الإسكندر الأكبر

كانت مصر تتمتع بالهدوء والاستقرار في نهاية حكم الأسرة الثلاثين للفراعنة. ولكن بعد مضي ستة عشر عامًا على الأقل، بدأت السحب السوداء تتجمع في سمائها مرة أخرى. في تلك الفترة، قرر الملك الفارسي آرتاكسركسيس الثالث، المعروف أيضًا بلقب “أوخوس”، استعادة مصر.في عام 351 قام بمحاولة غزو الدلتا، ولكنه فشل، ثم استعد بعد عدة سنوات مع قواته المجمعة، حيث بلغ عددها أكثر من 300,000 جندي وكان لديه أسطول من 300 سفينة كبيرة. هاجموا مصر من البر والبحر.

وكان الجيش الذي تم جمعه بواسطة نختنبو لا يتجاوز 100,000 من المصريين والأغريق والليبيين. دارت المعركة في مصر، واحتل العدو أجزاء منها وهرب نحينبو الثاني إلى الصعيد حيث استطاع أن يظل ملكًا لمصر لمدة عامين إضافيين، حتى عام 314 عندما أرسل الفرس حملة جديدة لفتح مصر. وهكذا دخلت البلاد مرة أخرى في فترة صعبة من الاستعمار الأجنبي.

advertisement

ولكن مصر رفضت أن تنكسر رغم هذه الظروف الصعبة التي حدثت في الفترة من 341 إلى 232 قبل الميلاد، بل تجددت فيها الثورات. ويجب أن نذكر أن أحد الأمراء في الدلتا في ذلك الوقت، يدعى خباشا، قاد حركة المقاومة الوطنية وأعلن نفسه ملكًا على البلاد. واعترف به كهنة منف وعثر في السرابيوم على تابوت يحمل تاريخ العام الثاني من حكمه.

في ذلك الوقت، كان نجم “الإسكندر الأكبر” يظهر وكان يقوم بحملات ناجحة في آسيا. توجه إليه أحد المقاتلين المصريين يدعى “تاف بختنه” من مدينة إهناسيا، وكان معه في معركة أسوس التي هزم فيها داريوس الثالث ملك الفرس. طلب من الإسكندر المساعدة لإنقاذ مصر من محنة الاستعمار الفارسي، وقد وافق الإسكندر على ذلك. في نفس العام الذي انتهت فيه معركة أسوس، سافر الإسكندر إلى مصر وواجه قليلًا من المقاومة في فتحها، حيث رحب به المصريون واعتبروه منقذًا لهم من محنتهم السابقة.كان الإسكندر يعرف جيدًا أسباب استياء المصريين من الفرس، وكان يعلم أيضًا أنه ليس من السياسة الحسنة إساءة معاملة المصريين. ومنذ اللحظة الأولى التي وضع فيها قدمه على أرض مصر، أظهر احترامًا كاملاً لعادات البلاد وديانتها، وقدم التضحيات للآلهة المصرية.

حرص الاسكندر بشدة على أن يتم تتويجه كملك على مصر وفقًا للتقاليد القديمة، وقد قام بترميم المعابدهم وأصدر أوامر بتجديدها، مما زاد من محبة المصريين له. ولم يمضِ وقت طويل حتى فكر في إنشاء ميناء جديد على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث كانت توجد مدينة صغيرة تدعى “راقودة”. بنى في هذا الموقع مدينته الجديدة التي سميت باسمه، وأصبحت وما تزال حتى اليوم واحدة من أهم المدن على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، إن لم تكن الأهم.

بناء الإسكندرية

advertisement

تروى قصة بناء مدينة الإسكندرية في حكاية يرويها المؤرخ بلوتارخ (64-120م). كان الإسكندر يخطط لبناء مدينة الإسكندرية، وقد تم تحديد موقعها بين البحر الذي يفصلها عن قرية تدعى “راقودة” على الساحل، وجزيرة “فاروس” القريبة من الشاطئ. وقد أمر الإسكندر بتخطيط الموقع برسم خطوط بيضاء بالطباشير، لأن الأرض كانت سوداء اللون. ولكنهم واجهوا نقصًا في الطباشير، لذا استخدموا الدقيق الأبيض بدلاً منه.

وقد لاحظ الإسكندر وجود عدد هائل من الطيور الكبيرة والمتنوعة، قادمة من البحيرة والنهر القريب، وكأنها سحابة سوداء تهبط على الخطوط المرسومة بالدقيق وتأكلها بالكامل. استاء الإسكندر من هذه الظاهرة السيئة، ولكن العرافين أطمأنوه بأنها تدل على أن المدينة التي ينوي بناؤها لن تكون مكتفية بالخيرات المحدودة فقط، بل ستستقبل الكثير من الأمم وتزودها بالثروات.وعلى ضوء ذلك، أمر الإسكندر العمال بمواصلة العمل في المدينة. وتم إنشاء المدينة بالفعل، وأصبحت واحدة من أجمل المدن في العالم.يجدر بالذكر أن الإسكندر الأكبر كان ينتمي إلى ديانة مشابهة للديانة القديمة للصريين، وقد تلقى تعليمًا من أرسطو. وكان يعتقد أن بناء هذه المدينة سيكون إنجازًا تاريخيًا يعود بالفائدة للعديد من الأمم، وليس فقط لسكان المدينة ومنطقتها.

العقبات التي واجها الاسكندر عند بناء المدينة

الإسكندر الأكبر كان قائداً فذاً ومغامراً، حلم بإنشاء إمبراطورية عالمية تجمع بين الشرق والغرب. وفي رحلته الفاتحة، وصل إلى مصر عام 332 ق.م، وأعجب بالأرض الخصبة والثقافة العريقة لهذه البلاد. وقرر أن يبني مدينة جديدة تكون عاصمة لحكمه في مصر، وتكون نافذة للتجارة والاتصال ببقية دول العالم.ووفقاً للأسطورة، كان الإسكندر يبحث عن موقع مناسب للمدينة، فأشار إلى قطعة من الأرض على شكل نصف قمر بين بحيرتي ماريوط والمادية، وقال: “هذه هي”. وأمر ببناء المدينة واطلق عليها اسمه: الإسكندرية.

advertisement

advertisement

ولكن بناء المدينة لم يكن سهلاً، فالأرض كانت رملية ومستنقعية، والبحر كان يغزوها بالأمواج. وكان هناك قرية صغيرة للصيادين تسمى راكودة، كان سكانها يعبدون إله البحر بوزيرس. وعندما رأوا أن الإسكندر يريد هدم قريتهم وبناء مدينته، اعتبروا ذلك إهانة لإلههم، فقاموا بالتمرد ضده. وزاد من صعوبة المشروع أن الإسكندر غادر مصر ليلحق بالفرس، فتولى حكامه المؤقتون إشراف العمل.

ولكن رغم كل هذه العقبات، استمر بناء الإسكندرية، وتحولت من مشروع مجنون إلى مدينة عظيمة. وأصبحت مركزاً للثقافة والعلم والفن في العالم القديم. وشهدت مكتبتها الشهيرة تجمع أكبر عدد من الكتب والمخطوطات في ذلك الزمان. وارتفعت منارتها الضخمة فوق الميناء، لتضيء الطريق للسفن والزوار. وعاشت فيها شخصيات تاريخية مشهورة، مثل كليوباترا وبطليموس وأرشميدس.

كيف بنى الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية؟

قام الإسكندر الأكبر بتأسيس مدينة الإسكندرية في فصل الشتاء بين عامي ٢٣٢ و٣٣١ قبل الميلاد، بعد غزوه لمصر وأثناء رحلته إلى واحة سيوة. تم بناء الإسكندرية في موقع بلدة مصرية قديمة تُدعى راقودة، وامتدت العمارات على الشريط الساحلي بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة مريوط.

كانت أمام الإسكندرية جزيرة فاروس في البحر، وأمر الإسكندر ببناء جسر يصل بين الجزيرة والشاطئ، وكان طول الجسر حوالي ١٢٠٠ متر. بجانب بناء الجسر، تم إنشاء مينائين: الميناء الشرقي والميناء الغربي المعروف بميناء العود الحميد. أصبح الميناء الشرقي الميناء الرئيسي للإسكندرية.

بناءً على اتساع مداخل المينائين، تم بناء حواجز لتضييق المداخل. وعثر مؤخرًا على هياكل ضخمة غارقة في البحر أمام الساحل الشمالي لجزيرة فاروس، ولا يزال هناك اختلاف في الآراء حول تاريخها، حيث يعود البعض إلى عصر الفراعنة، والبعض الآخر يرجعها إلى فترة تأسيس موانئ الإسكندرية.

advertisement

وفي داخل الميناء الغربي، تم بناء ميناء صغير يُدعى الصندوق، وكانت هناك قناة تصله ببحيرة مريوط، حيث تم إنشاء ميناء آخر في تلك المنطقة. وهكذا كانت للإسكندرية ميناءان رئيسيان: الميناء الشرقي للملاحة الخارجية وميناء مريوط للملاحة الداخلية، حيث كانت السفن تصلها من جميع أنحاء مصر عبر النيل إلى البحيرة.

وبالنسبة للسكان، كانوا مجتمعًا متنوعًا من مختلف الأصول. تشمل السكان الأصليين المصريين من سكان قرية راقودة، بالإضافة إلى السكان الذين انضموا من القرى والمدن المصرية الأخرى. أسس الإسكندر أيضًا الجالية اليونانية والمقدونية في المدينة. تضاعف عددهم في عصر البطالمة، وانضمت عناصر أخرى من المتناثرين في آسيا الصغرى، بالإضافة إلى عناصر شرقية من السوريين واليهود. وعلى الرغم من هذا التنوع في السكان، كانت الإسكندرية تحمل طابعًا يونانيًا بارزًا، وتأثرت الجاليات الأجنبية المختلفة بالثقافة اليونانية. الأشخاص الوحيدين الذين كانوا يتميزون هم المصريون الأصليون.

يُلاحظ ذلك من وصف المؤرخ “لوليبيوس” لسكان المدينة التي زارها حوالي عام ١٤٥ قبل الميلاد، حيث قسم السكان إلى ثلاث فئات: الجنود والأغريق والمصريون. ويمكن استنتاج أن اليهود والسوريين والجاليات الآسيوية تأثروا بالثقافة اليونانية، وأصبح من الصعب التمييز بينهم وبين اليونانيين الأصليين.

نظرًا لأن الإسكندرية كانت مدينة يونانية، فقد كانت لها هوية مستقلة ومواطنة خاصة بها. وكان المواطنون الإسكندريون هم المواطنين الفعليين، ولم يكن جميع السكان مواطنين، بل كانت المواطنة مميزة مخصصة للطبقة المتميزة من الأغريق، وكان للعناصر الأخرى حقوق أقل. أما المصريون فقد بقوا كمواطنين مباشرة تحت حكم الملك. كما تمتع اليهود بصفتهم اليهود وكان لهم جالية ذات طابع ديني خاص، وكان لهم حرية العبادة والالتزام بتقاليدهم الدينية في الشؤون الشخصية. وكانت لهم قادة جماعة ومجلس شيوخ.

الاسكندرية عاصمة مصر في عهد البطالمة

مدينة الإسكندرية هي العاصمة الإدارية لمصر ولها صفتان متزامنتان. كانت تعتبر مدينة يونانية مستقلة وفي نفس الوقت عاصمة لمصر. تتميز بالنظم الإدارية والتنظيمات المختلفة التي تمثل الإدارة المركزية. توجد بها مؤسسات حكومية مثل القصر الملكي والحاشية الملكية ووزراء وموظفين. كما تشتهر بمعالمها الشهيرة مثل القصر الملكي والفنار والجمنازيوم والمسارح والمعابد المختلفة. عانت المدينة من اضطرابات خلال العصور اليونانية والرومانية والمسيحية، وتعرضت لموجات الاضطهاد وتدمير المكتبة الشهيرة. بعد ذلك، أصبحت المدينة مركزًا مسيحيًا ومقرًا للمدارس المسيحية وتحولت المعابد إلى كنائس. استمرت الأسكندرية في الحفاظ على مكانتها الاقتصادية والثقافية كمركز للتجارة العالمية وموطنًا للعديد من العلماء والفلاسفة والأدباء المشهورين.

ثم تمت الاستيلاء على الأسكندرية من قبل الفرس، ولكن الإمبراطور هرقل تمكن من استعادتها بعد عشر سنوات. ومع ذلك، بدأت الحركة العربية الإسلامية في الجزيرة العربية وتمكنت من فتح الأسكندرية في عام ٦٤٢ م، مما فتح بابًا لمرحلة جديدة من التاريخ والحضارة.

advertisement